لا زالت آلاف السيدات في العالم العربي يحلمن ببيئة عمل آمنة لا يتعرضن فيها للتمييز ضدهن، ولا يُجبرن فيها على تقبل العنف الذي يأخذ أشكالاً مختلفة من بينها حرمانهن من فرص الترقي أو الضغط عليهن ليقبلن بشروط عمل مجحفة أو منحنهن رواتب أقل من زملائهن الذكور.

وفي أكتوبر- تشرين الأول الماضي، أطلقت عدد من المنظمات النسوية في مصر مبادرة أسمتها ”من أجل بيئة عمل آمنة للنساء“، قالت فيها أنه لا يمكن الحديث عن العدالة في المجتمع في ظل ”تنامي العنف ضد النساء في بيئة العمل“، مضيفةً أن العنف النفسي والجنسي أمران شائعان ضد النساء داخل أماكن العمل ويساهم في حرمانهن من فرص عمل لائقة، وينعكس على محاولات تمكينهن على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

وقالت أن التمييز ضد النساء في العمل يأخذ عدّة أشكال، فمثلًا ترتفع نسبة البطالة لديهن لتصل إلى 21.2% في عام 2018 مقابل 6.7% فقط للذكور، ويعانين من التفاوت الكبير في نسبة الأجور داخل العمل الواحد، ويواجهن هيمنة الذكور على المناصب القيادية ويتم تهديدهن بفقدان عملهن، وكل ذلك يتطلب إصلاح قانوني يجرم التمييز ضد النساء، وتطوير خطاب مجتمعي مناهض للعنف ضدهن. 

وفي مرآه، سألنا نساء من دول عربية مختلفة عن أبرز التحديات التي يواجهنها في عملهن، وعن تصوراتهن الخاصة ببيئة العمل الآمنة.

 

الحق في الوصول إلى مناصب قيادية

”أعمل مذيعة ومراسلة حربية، في تصوري هناك عدة شروط لأحصل على بيئة عمل آمنة كفتاة تعيش في فلسطين: أتمنى لو يتم التوقف عن التعامل مع الفتيات فقط وفقًا لمظهرهن، فإذا كانت حسنة المظهر مثلًا تحصل على العمل والعكس لا، وأن تنال النساء حقوقها في الحصول على مناصب إدارية وقيادية داخل المؤسسات، وبوجود تقدير مادي ومعنوي يليق بالعمل المقدم. أتمنى أيضاً لو يحدث تغير في نظرة المجتمع للفتاة ليتقبل عملها ليلًا، وألاّ يتم تعقب أي ثغرة في عملها أو حياتها الشخصية لمجرد كونها أنثى، وهناك مطالب عامة كتوفير ملابس للحماية لي أثناء العمل لأن عملي كمراسلة حربية يشكل خطورة على حياتي، وأيضاً وجود حماية دولية للفتيات العاملات في المجال الإعلامي في فلسطين، ومن المهم وجود رابط رسمي يوثق علاقتي بالمؤسسة التي أعمل بها، وبروتوكول واضح للعمل، وأتمنى ألا يكون العائد المادي ضئيلًا وأن يليق بالعمل الذي يتم إنجازه“.

– آمنة عمر الدبش، فلسطين، 23

 

راتب مناسب وتأمين صحي ونظرة غير دونية

”أعمل معلّمة في مدرسة حرّة في موريتانيا، أهم التحديات التي تواجهني كامرأة هي النظرة الدونية التي ترى بها المجتمعات العربية المرأة وهذا يحتاج إلى التوعية للتوقف عن العنصرية ضد النساء. لدينا قوانين عمل جيدة ولكننا نعاني من عدم تفعيلها ونعاني من حالة انفصال بين القوانين الوضعية والقوانين المجتمعية ولا يدفع ثمن هذا الصدام والخلل سوى النساء، مثلًا المجتمع ينظر إلينا وفقًا لقاعدة ”المرأة من بيتها إلى قبرها“ ومع أن هذه النظرة بدأت تتلاشى إلى حدٍ ما بعد كفاح المرأة الموريتانية إلا أن المرأة العاملة مازالت تعاني من آثارها. في رأيي أيضاً بيئة العمل الآمنة هي التي يتوفر فيها الدخل المادي المناسب، ويعمم فيها التأمين الصحي خاصةً أننا نستخدم أدوات تقليدية في التدريس مثل الطباشير التي بها سموم ضارة، و الاهتمام بنظافة أماكن العمل وأن تكون هناك موازنة بين الراتب الزهيد وساعات العمل المرهقة، لو توفرت تلك الأجواء سأتمكّن من تقديم عمل جيد ومتكامل“.

– خديجة الحبيب، موريتانيا، 25

 

قوانين حساسة للنوع الاجتماعي

”أعمل رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان باليمن، تتطلب بيئة العمل الآمنة قوانين وسياسات عادلة وحساسة للنوع الاجتماعي ولقواعد حقوق الإنسان، ويتم تطبيقها على الجميع بدون استثناء، ولأنني أعيش في اليمن فبيئة آمنة تعني أولاً وبالتأكيد وقف الحرب. بشكل عام أتعرض للمضايقات والتهديدات بحكم عملي لكن بالتأكيد يظهر الاستهداف على أساس النوع في حملات التحريض والكراهية من أطراف النزاع في اليمن وفي اللغة المستخدمة فيها“.

– رضية المتوكل، اليمن، 43

 

النساء يعانين من الاستهتار بقدراتهن والتشكيك فيهن

”أعمل مديرة مشروعات بمؤسسة بالأردن، بيئة العمل يجب أن تتوفر فيها مناخ مهني وأخلاقي بحت دون تمييز جنسي أو ديني أو عرقي، ووجود سلم رواتب عادل بين جميع الموظفين الحاصلين على نفس الدرجة الوظيفية، وحوافز مادية ومعنوية وفق الأداء وليس الجنس والمعرفة والعلاقة الشخصية، وحماية من التهديدات التي قد يمارسها صاحب العمل، وقوانين عادلة ينفذها أشخاص حياديين. النساء العاملات قد يتعرضن في العمل للاستغفال فيما يخص بعض القرارات الهامة التي يتم الاتفاق عليها خلال لقاءات خاصة خارج أوقات العمل دون إعلام أو مناقشة ومشاركة صحية، كما يواجهن استخفافًا بقدراتهن الفكرية والعلمية وتشكيكًا مستمر في قدرتهن على أي عمل صعب أو ساعات عمل طويلة أو دور مختلف عن المعتاد والدارج. أيضاً يجب ألّا تتعرض النساء للشعور بالتهديد المستمر من أصحاب العمل الذين ينزعجون عند طلب أي إجازة أو مغادرة عمل قصيرة أو في حال حدوث حمل وإنجاب، وأتمنى لو تكون القوانين إجبارية بدلًا من صياغة جمل صامتة مجردة، وأن يكون للمرأة نصيب فيها من العدل والمساندة“.

– أماني عبد الله، الأردن، 39

 

الانتقال الآمن وتوفير أماكن رعاية للأطفال

”أعمل ممثلة ومديرة إدارة بوزارة الثقافة اليمنية، البيئة الآمنة تعني لي شعوري بالأمان بدايةً من خروجي من منزلي والتنقل بشكل آمن حتى العمل، وأن يتم توفير مكان لرعاية أطفالي أثناء عملي حتى لا أكون قلقة، لماذا لا يوفر لي العمل هذه الفرصة أو يمنحني عائد مادي جيد يمكنني من استجار مربية لهم أو إيداعهم في حضانة لرعايتهم؟ من المهم أيضاً وجود مواصلات عامة آمنة أستطيع استقلالها للوصول إلى عملي أو مواصلات خاصة بالعمل، ويجب أن يكون هناك تقدير للعنصر النسائي لأن المرأة دائمًا رقم اثنين في أي عمل حتى في مجال التمثيل ويتم منح البطولة على الأغلب للرجل وتليه المرأة، باختصار، من المهم ألا تتسبب بيئة العمل في أي ضرر نفسي أو جسدي أو فكري للمرأة، وأن يكون هناك تفهم لعمل النساء فمثلًا في بلادي صعب أن تتأخر المرأة ليلًا مع أن هناك وظائف كثيرة تتطلب ذلك والمجتمع لا يوفر الأمان لها وينظر لها نظرة خاطئة“.

– أمل إسماعيل، اليمن، 45