المقالات الأكثر قراءة

رائحة الحب
Article Details
رائحة الحب
كيف تؤثر الروائح على انجذابنا العاطفي تجاه بعضنا البعض؟
أحمد حسين
November 12, 2018
AddThis is disabled because of cookie consent
في أحد حلقات المسلسل الكوميدي الشهير “Friends”، تحاول فيبي (ليزا كودرو) إقناع روس (ديفيد شومير) بأنه لا يزال متيّمًا بريتشل (جينفر انستون)، لذلك تزوجها مخمورًا لأن عقله غير الواعي لا يزال متعلقًا بها. حاول روس نفي ادعائها لكنه لم ينجح، فأكدت له فيبي أنه لا يزال يحبها، ودار بينهما حوارًا تضمّن إعطاء روس حُضنًا لريتشل لأنها كانت تبكي، وهُنا أكدت له فيبي بما لا يدع مجالًا للشك أنه يحبها، لأن الحضن يتيح له “استنشاق” رائحة فيرموناتها عبر الشعر/فروة الرأس، بسبب وجود 90% من فيرمونات المرأة في شعرها.
تبدو كلمات فيبي منطقية إلى حدٍ ما، لكنها ليست صحيحة علميًا بشكلٍ كُلّي أيضًا. يتفاعل البشر مع ما حولهم عبر الحواس، يرى بالعين ويستنشق بالأنف ويسمع بالأذن ويلمس باليد ويتذوّق بالفم، ويمكننا القول أننا – منطقيًا وبطريقة غير واعية – نستخدم جميع حواسنا في التعامل مع من نحب، أو من نُعجب به، لكننا سوف نُركّز قليلًا على حاسة الشم أو الاستنشاق في محاولة لمعرفة ما إذا كنا ننجذب حقًا لبعضنا البعض عن طريق روائح الجسد أم أن الأمر مجرد نظرية غير مؤكدة.
البداية من عِند فراشات دود القز
قرأت ذات مرة، ولست متأكدًا من أن ما قرأته حدث بالفعل لكنه لطيف لذا سوف أقوله على أيّة حال. في أحد الجلسات بين الفلاسفة وأهل الفكر اليونانيين القدماء، سئل أفلاطون عن معنى الحب، كسؤال استفهامي يُلطّف به الجلسة، فأجابه الكاتب المسرحي الساخر “أرستوفان Aristophanes” وهو نصف مخمور، أن الحكاية بدأت منذ زمنٍ بعيد، عندما كنّا – البشر – كائنات بأربعة أرجل وأيدي ونصفين، إحداهما ذكر والآخر أنثى، وفي أحد الأيام أغضبنا زيوس أب الآلهة وكبيرهم بسبب إزعاجنا له، فقرر شقنا إلى نصفين، ومنذ ذلك الحين وكل إنسان يبحث عن نصفه الثاني الذي يُكمّله، فالحب هو المُحرّك الأساسي الدائم للبحث بحسب رأي أرستوفان.
في إطار بحثنا عن النصف الآخر نصادف أشياءً شديدة الغرابة، تجعلنا نُدرك أننا لسنا الكائنات الوحيدة التي تبحث دائمًا عن نصفهم الآخر. في أواخر القرن التاسع عشر، شاهد عالم الحشرات الأمريكي جوزيف ألبرت لينتنر مجموعة من فراشات دود أو عتّة القز (Silk Moth) يحاولون التزاوج مع أنثى واحدة، كان المشهد غريبًا على عين لينتنر لذا حاول البحث وراء سبب انجذابهم إلى الأنثى ووجد أنها “الفيرمونات”، وهي كيماويات تتكوّن من جزئيات عضوية، تتواصل عن طريقها الحيوانات والحشرات مع بعضهم البعض، ومن أحد استخداماتها الإعلان عن أن الأنثى أو الذكر (وعلى الأرجح تكون الأنثى) جاهزة للتزاوج وإنتاج البيض/الأجنة.
الانجذاب العاطفي للرائحة بين الواقع والسينما
هل يمتلك البشر شيئًا مماثلًا يمكّنهم من التواصل مع بعضهم البعض دون الحاجة إلى التعبير بالكلمات عن هذا الاحتياج؟ يتعامل صُنّاع السينما مع الحب بشتّى الطرق، مرة عن طريق العينين، ومرة عن طريق الشعر وجمال الوجه وغيرهم، لكن قليل من صنّاع السينما تعاملوا مع فكرة الرائحة باعتبارها أحد الطرق المُمهِدة إلى المحبة. في فيلم “Il Grido الصرخة” إنتاج عام 1957، استخدم المخرج الإيطالي الكبير مايكل أنجلو أنطونيوني فكرة الرائحة في مشهد جميل، حيث قصّت الحبيبة على حبيبها قصة أن أحد الأوباش قال لها أن رائحتها تشبه رائحة الورد، وانتقل المشهد بين الكلمات الرقيقة حتى انتهى بقبلة كلاسيكية سببها في البدء كان الرائحة.
هذا فيما يخص الفن. فماذا عن الواقع؟ في الواقع قررت جماعة من النساء والرجال على ابتكار ما يُسمى بـ “حفلات الفيرمونات Pheromone Parties”، وتقوم تلك الحفلات على إحضار بعض الملابس من القمصان والتيشيرتات المبللة ببعض العرق – ليس بالضرورة عرقًا سيء الرائحة – في أكياس بلاستيكية مغلقة، تفتح النساء أكياس الرجال والعكس يحدث أيضًا، ومن يجد كيسًا يحمل رائحة يشعر أنه ينجذب تجاهه يذهب إلى صاحبته ليحادثها وربما خرجا مع بعضهم البعض في موعد غرامي – والعكس بالضرورة صحيح. فهل يمكننا أن نعتبر أن هذه الحفلة تجربة عملية على وجود علاقة طردية إيجابية بين الانجذاب العاطفي ورائحة الجسم؟
هل الأمر علمي بما يكفي؟
علميًا، أقدم الباحث البيولوجي السويسري “كلاوس ويديكايند” على تجربة أو دراسة تُدعى “دراسة التيشيرت المُتعرّق – Sweaty T-Shirt Study”، وهي عبارة عن تجربة إعطاء بعض التيشيرتات – كما اتفقنا سابقًا- إلى مجموعة من السيدات، وانتظار ردود أفعالهن حتى يُسجّلها ويعرف ما إذا كانوا ينجذبون إلى نوع مُحدد من الروائح أم أن الأمر مختلف. في النهاية، اكتشف “ويديكايند” المُركّب الرئيسي للتلاؤم النسيجي أو Major Histocompatibility Complex أو ما يُطلق عليه اختصارًا (MHC)، له دور بالفعل في الانجذاب العاطفي خلال المراحل الأولى من الانجذاب خاصةً.
المُركب الرئيسي للتلاؤم النسيجي هو بروتين له رائحة موجود على سطح الأنسجة يُحدد ما هو ذاتي وما هو غريب، وهو أسلوب دفاعي من أكبر أعضاء الجسم وهو الجلد، حتى يتمكن من حماية نفسه من هجمات الحشرات والأمراض وغيرها. ما اكتشفه “ويديكايند” تحديدًا كان انجذاب الإناث إلى رائحة البروتينات المختلفة عنهن، ببساطة، لأن البشر لا يستنشقون رائحة أنفسهم، لذلك إذا كانت البروتينات متشابهة في الذكر والأنثى فعلى الأرجح – بحسب الدراسة – لن ينجذبان، وإذا كانت مختلفة قد يحدث انجذاب عاطفي مبدئي. لكن الدراسة – للأسف – لا تؤكد على نجاح هذا الانجذاب، وإذا أردنا معرفة السبب، يجب علينا العودة إلى الحشرات والحيوانات مرةً أخرى.
البشر أكثر تعقيدًا
تستخدم الحشرات والحيوانات الفيرمونات للتواصل فيما بينها وبين الآخرين، بمعنى أن إطلاق الفيرمونات لا يدل على الحاجة إلى التزاوج فقط، وإنما يدل أيضًا – في بعض الحالات – على الخطر أو التحذير أو إبعاد معتدٍ، أو يدل على إعلان أن هذه منطقة مخصصة لنوع معين من الحشرات ومحظورة على الجميع، أو التواصل بين أفراد المجموعة الواحدة، أو الاطمئنان على أن العلاقات بين بعضهم البعض لا تزال على ما يرام، بمعنى أقرب للأنسنة، يستخدمون الفيرمونات في بعض الأحيان للاطمئنان على مدى قوة علاقتهم وارتباطهم ببعضهم البعض.
لكن البشر لا يستخدمون الرائحة في التواصل أو إبعاد المُعتدين – إلا في حالات لا داعي لذِكرها – فالبشر لديهم وسائل أخرى للإعلان، أهمها الكلمات والإشارات، لذلك لا يحتاجون للتواصل عبر الفيرمونات والرائحة. إذًا ماذا لو انجذبنا عاطفيًا في البداية لبعضنا البعض عن طريق الرائحة؟ يمكننا أن نقول أن هذا الأمر تتدخّل فيه بعض الأشياء، فالبشر كائنات مُعقدة إلى حدٍ ما بالنسبة للحشرات والحيوانات، فيما يخص تحديدًا أمور العلاقات والتزاوج وما إلى ذلك. حيث – على سبيل المثال – تلعب الذاكرة دورًا هامًا في التعامل مع الروائح، فقد يكون الشخص المُنجَذِب قد استنشق رائحة مماثلة من قبل في مكانٍ أحبه (شاطئ مثلًا أو حديقة أو بيت)، أو أن تتشابه رائحة الشخص الآخر مع رائحة إحدى ذكريات الطفولة، كالفطائر بالعسل أو المُربى أو عصير المانجو!
إذًا باستكمال فكرة أن البشر مُعقدون أكثر من الحشرات والحيوانات، يمكننا القول أننا لو أُعجبنا بشخصٍ عن طريق رائحته مثلًا، ورأيناه يُعنّف طفلًا أو يضرب قطة بطريقة وحشية، فلن نُعجب به بالطبع إلا إذا كنا ذوات ميول مازوخية مريضة. فعلاقات البشر تتحدد عبر الكثير من التعاملات والأسس والمبادئ الخاصة بكل شخص، وليس عن طريق الرائحة فقط.
في النهاية، يمكننا القول بأن الرائحة الجميلة التي نُعجب بها قد تجعلنا ننجذب إلى شخصٍ بعينه، لكنها لن تجعلنا – بالضرورة – نخطو معه خطوةً أخرى نحو علاقة عاطفية، فالرائحة لن تؤثر على قراراتنا واختياراتنا كما يحدث مع الحشرات والحيوانات، وهذا أمر مطمئن. وإذا أردنا أن نتأكد – كمجتمع بشري – من التأثير الحقيقي للروائح على عقولنا فعلينا البدء في دراسة الأمر مرةً أخرى بشكلٍ أكثر جدية.
رسوم إنجي مهدي
AddThis is disabled because of cookie consent


أحــــدث الــــــمـقـالات
خمس أسرار وددت لو عرفتها في سن الخامسة عشر
رسالة أرسلها لذاتي المراهقة... لعلها تَتَحرر مما هي فيه.
آية أحمد
سألنا نساء حضرن صفوف دعم الأمهات عن تجاربهن
”اعتادت الفتيات على تلقي النصائح في تجربة الأمومة الأولى من السيدات الكبار ولكن للأسف لا تكون معلوماتهن دائماً صحيحة
هدير الحضري
دليلك للتعامل مع دولابك المكدّس بالملابس