المقالات الأكثر قراءة

فوبيا الفوط الصحية وقصص الخجل من الطمث
Article Details
فوبيا الفوط الصحية وقصص الخجل من الطمث
كان الرجل يُخرج المرأة من بيته أثناء حيضها ويتجنب الطعام والمجالسة والملامسة معها...
شيماء جلهوم
January 7, 2019
الثالثة عصراً، لم يزل هناك ساعتان حتى تنهي نيفين سعد (22 عام) ساعات دوامها اليومي. فاجأتها دمائها الشهرية دون سابق إنذار، لا ألم مسبق، ولا بثور بوجهها، ولا انتفاخات بصدرها كما هي العادة. لم تأخذ معها احتياطاتها الدورية كما كل مرة، ماذا ستفعل الآن وهي تشعر بحرارة الدماء تسري بين فخذيها؟ سألت زميلتها إن كانت تحمل في حقيبتها فوطة صحية لمثل تلك المواقف، لكنها لم تجد، ذهبت من أجل حقيبة الطوارئ الطبية التي تقدمها الشركة لعامليها كخدمة صحية في الحالات الحرجة، لكنها لم تجد بها ما يسعفها، فالشركة لا تعترف بدمائها الطارئة. تحرجت في البداية أن تطلب من عامل النظافة أن يشتري لها عبوة من الصيدلية، لكنها لم تجد بديلاً: “عنيا يا استاذة إنتي زي أختي و ماتقلقيش هلفهالك في ورقة جرنال”. انقطعت نهى عن العمل يومان بعد تلك الوقعة، وفي اليوم الثالث سألها العامل: “باين عليكي بتتعبي أوي كل شهر… معلش شدة وتعدي”.
في البلدان العربية، يعتبر الحديث عن الطمث من المحرمات، ويعد شراء الفوط الصحية من أسرار النساء التي لا يطّلع عليها الرجال، لا داخل الأسرة، ولا في العمل، ولا في السوبر ماركت أو الصيدلية. فضلاً عن الشارع، يتداول الكثيرون النكتة المصرية التي تحكي عن طفل صغير ينادي على شقيقته الكبرى من الشارع “يا محمد… يا محمد!” كي لا يعرف المارة اسم شقيقته وعندما تجيبه، يخبرها أنه لم يجد لها نوع “الأولويز” (ماركة الفوط الصحية) الذي طلبته، فيضحك الجميع على النكتة التي اعتبرت اسم الأنثى عيبًا، وذكر الفوط الصحية في الشارع، أمرًا أشد عيبًا و مدعاة للخجل عبر أربعة عشر قرنًا منذ نزول الوحي بالقرآن في الجزيرة العربية. لم تتغير نظرة الكثيرين منهم للمرأة في فترة الحيض، فرغم تفسير النص القرآنى ﴿فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ﴾، والذي فُسر باعتزال وطأ المرأة في فرجها فقط، إلا أن الثقافات العربية قبل الإسلام لم تزل كما هي بعده، فكما كان الرجل يُخرج المرأة من بيته أثناء حيضها ويتجنب الطعام والمجالسة والملامسة معها، فهو اليوم يتجنب حتى فوطها الصحية ويخفيها داخل جريدة، أو كيس أسود.
“أنا لا أشتري فوطي الصحية إلا من صيدلية تعمل بها طبيبة، واعتدت على الهمس فتفهم هي ما أطلبه وتأتى به ملفوفًا ومُسودًا فأدفع الثمن و لا أفتح الكيس إلا داخل دورة المياه في منزلي”، هكذا اعتادت ندا (23 عام) منذ أن أتمت عامها الحادي عشر، واحتفلت والدتها معها بأول يوم لها كأنثى كاملة الأنوثة بشراء باكيت من 12 عبوة للفوط الصحية: “عشان مش كل شوية تنزلي تشتري و لما تخلص قوليلي وأنا هجيبلك… أوعى تجيبي إنتي”، هكذا نصحتها أمها، وسارت ندا على النصيحة لخمسة عشر عاماً ولم تزل. وحين تضطرها الظروف للشراء، تحرص على الكيس الأسود، والطبيبة الصيدلانية: “أمي كانت تحكي لي عن جدتى التي لم تكن تعترف بالفوط الصحية، وتجبرهم على وضع الأقمشة القطنية… أحمد الله أني لم أولد أنثى آنذاك، فالكيس الأسود أهون كثيرًا من قطعة قماش ملطخة بالدماء”.
“الرجال لا يشترون الأولويز”، هكذا تحدث خطيب هايدى (26 عام) حينما طلبت منه أن يشتري لها فوطها الصحية وهو قادم لزيارتها، لأنها لا تجد من يشتريها لها. “لو مكسوف يا حبيبي حطها في كيس أسود”، لم تتوقع هايدي رد الفعل، ولا طريقته التي أنهى بها خطبتهم بعد عام ونصف، متهمًا إياها بالتخلي عن حيائها وعفتها: “أنا عمري ما أعرف يعني إيه دورة شهرية، ولا أعرف إخواتي البنات بيتعاملوا إزاي و بيشتروا طلباتهم الخاصة ازاي… إنتي ازاي تطلبي مني أجيبلك ده؟ وتلاقيكي كمان هتطلبي مني أجيبهولك بعد الجواز. لا أنا آسف، كل شئ نصيب”. رغم الصدمة، إلا أن الفتاة التي اعتادت إعمال عقلها، ويصفها الجميع بقوية الشخصية، استطاعت التغلب على مشاعر الإهانة التي تعرضت لها وشكرت دمائها المفاجئة التي أتاحت لها فرصة التعرف على مقدرة زوجها القادم في أن يكون داعماً لها في أيامها الصعبة، ومن وقتها اعتادت هايدي على شراء فوطها الصحية دون الحاجة لكيس أسود.
للتغلب على حالة الحرج التي تواجه الفتيات العربيات في شراء احتياجاتهن الشهرية من الفوط الصحية، عمدت المحال الكبرى والصيدليات على وضع الفوط الصحية في مكان ظاهر، حتى تستطيع الفتاة أن تنتقي بسهولة ما تريده، وتذهب به إلى آلة الدفع مباشرة. لم تنتهي المشكلة أبداً بهذا الحل، لكن خصصت سلاسل الصيدليات أكياس خاصة للفوط الصحية، تمتاز بلونها الأبيض وخامة غير شفافة، لا تشف ولاتصف ما يحويه الكيس.
هكذا ارتاحت هناء يسري (30 عاما) من مشكلتها الأزلية في شراء فوطها الصحية: “بشتريها من مكان بعيد عن سكني عشان مجيبهاش من الصيدلية القريبة من منزلي، ويعرف الجميع أن لدي عذري الشرعي”. لا تنطق الفتاة الملتزمة لفظ دورة أو بريود أو عادة، كما تسميها الجدات، لكنها تحفظ لسانها عن ذكر ما ينجسه: “مش أي صيدلية بشتري منها. لازم تكون طبيبة أنثى، و بعيدة عن منزلي والمدرسة التي أعمل بها. اعتدت منذ الصغر أن أحفظ على نفسي أسرارها، حتى زوجي لا يعلم أني في فترة الحيض إلا إذا أراد بالصدفة معاشرتي فأخبره أني حائض”. قبل أن تقوم الصيدليات الكبرى بتغيير سياسة بيعها للفوط الصحية، كانت هناء تؤمن لنفسها كيسها الأسود قبل أن تذهب للشراء: “أحسب حساب الصدفة جيدًا، ولا أدع شيئا ًيمر دون ترتيب، والأكياس السوداء تمتلئ بها محلات البقالة”.
قبل عدة سنوات كانت مثل كثيرات، تخجل من دمائها وكل ما يتعلق بها؛ ذلك الألم الذي يصاحبها، وكوب القرفة الساخنة الذي توصيها والدتها بشربه في العمل، فيعرف الجميع أنها تعاني وجعًا خاصاً. الفوط الصحية التي تشتريها أمها ضمن طلبات المنزل الشهرية، طلبت منها مرارًا تغييرها بنوع آخر، لكن أمها لا تقتنع فتأتي لها بما جربته هي. لا تعرف هدير (25 عام) متى تغيرت، ومتى أحبت كونها أنثى خصبة بدماء شهرية غزيرة، لكنها تعلم أن يدًا امتدت ذات يوم بكوب القرفة الساخنة، أعادت لها ثقتها بنفسها وبصفتها كأنثى: “كان زميلي في العمل لاحظ تعبي وهزلي في ذلك اليوم، ولم أعرف لماذا أرجعه لظرفي الشهري الطارئ وشربت من يده كوب القرفة، ثم لم تنقطع يده عن دعمي أبدًا”. تزوجت هدير من إيهاب بعد قصة حب، كللتها الألوان المبهجة فخلت تماماً من الأكياس السوداء: “يشتري لي زوجي فوطي الصحية ولم يتأفف مرة من طلبي له بشرائها، ولم يأتي بها أبدًا ملفوفة بورقة جريدة أو داخل كيس أسود، بل والأكثر من ذلك يشتريها من صيدلية ملاصقة للمنزل. هذا رجل أحببته وأحببت معه كل شيء حتى طمثي”.
AddThis is disabled because of cookie consent


أحــــدث الــــــمـقـالات
خمس أسرار وددت لو عرفتها في سن الخامسة عشر
رسالة أرسلها لذاتي المراهقة... لعلها تَتَحرر مما هي فيه.
آية أحمد
سألنا نساء حضرن صفوف دعم الأمهات عن تجاربهن
”اعتادت الفتيات على تلقي النصائح في تجربة الأمومة الأولى من السيدات الكبار ولكن للأسف لا تكون معلوماتهن دائماً صحيحة
هدير الحضري
دليلك للتعامل مع دولابك المكدّس بالملابس