المقالات الأكثر قراءة

وكر طبيب نساء
Article Details
وكر طبيب نساء
ا زلت أشعر بملمس قفاز الطبيب البلاستيكي فوق جسدي فأشعر بالتقزز و يعود لي إحساسي بالانتهاك.
ربى الجهني
July 14, 2018
إذا كنتِ أنثى تعيشين في هذا الجزء من العالم، يعني أن هناك دائماً نظام مختلف لتعاملك مع المواقف و الأشياء و الأشخاص و الحياة بكل محتوياتها. فبينما تمارس أخواتك في بقية أنحاء العالم نشاطات حياتية غاية في الطبيعة بشكل تلقائي، يلزمك أنتِ كتيب تعليمات كامل عن كل موقف أو نشاط و كيفية التعامل معه كونك امرأة شرقية تعيش في مجتمع شرقي لا يعشق شيئاً أكثر من أن يضع حولك المتاريس، و يضع في طريقك الحواجز و يزرع تحت قدميك العقبات. يحتوي هذا الكتيب في العادة على سلسلة من التعليمات و الإرشادات و التحذيرات و التخوفات التي تلقي الرعب في قلب أكثرهن شجاعة، حتى و إن كان الفعل الذي ترغبين في ممارسته في عادية السير في الشارع أو ضرورة الذهاب إلى طبيب، أي طبيب. أما إن كان هذا الطبيب متخصصاً في تخصص شديد الحساسية كعلاج أمراض النساء، فصفحات كتيب التعليمات في تلك الحالة يتم طلاء حوافها باللون الأحمر الصارخ.
كأن يكون اللجوء إلى العلاج الطبي في حالات أمراض النساء يكون دائماً موقفاً اضطرارياً لا يتم الرضوخ لضرورة اللجوء إليه، إلا بعد أن تفشل كل النصائح النسائية و المساعدات الإنترنتية و الوصفات الشعبية. و لكن أن تتعرضي لأزمة مرضية نسائية فتذهبي فوراً للطبيب فهذا لا يعني إلا أنك إنسانة ليست فوق مستوى الشبهات.
القاعدة الهامة الأخرى هي أن الطبيب الذكر هو اختيار يتم اللجوء إليه فقط عندما لا تتوفر طبيبة أنثى، فإن تساوى الطبيب و الطبيبة في مهارة ترجح كفة الطبيبة بكل تأكيد.
أما القاعدة الثالثة فهي بسيطة: لا تذهبي وحدك.
إذ أنه من القواعد المؤسسة للعلاقة بين النساء و طبيب أمراض النساء أن كل امرأة تذهب إلى عيادة الكشف فهي في موضع ضعيف و محرج للغاية، و الطبيب هو ذكر على أية حال… و الكثير من ذكور بلداننا الحارة تحوي جيناتهم عدد من الجينات الخاصة التي لا تنشط بهذا القدر المرعب إلا في هذا الجزء الحزين من العالم، خليط من جينات الاستمتاع بالتحرش و تقديس السلطة الأبوية تقديس يقترب من درجة تقديس السلطة الإلهية… لذا وجب التنويه.
و بينما يمكننا أن نقول بصراحة أن الحساسية المتواجدة بين المريضة والطبيب في بعض عيادات أمراض النساء في الأغلبية العظمى من المرات ليست لها جذور إلا الأساطير المتداولة و المؤسسة لعالم النساء، إلا أن الحوادث المأساوية المحكي عنها بالتأكيد ليست كلها من صنع الخيال.
و هذه بعض الشهادات التي يمكنها أن ترسم لنا جزء من الصورة الكاملة:

إسراء، 28 عاما
“على الرغم من أنني حين حكيت عن هذا الموقف لصديقاتي اختلفن في التفاعل معه، إذ قررت بعضهن أنني أبالغ، بينما قدرت أخريات وقع الموقف علي. إلا أن كلهن قد اتفقن على أن هذا الموقف من المواقف التي يجب أن أحتفظ به في خزانة من الفولاذ، فهذه المواقف لا تحكى و إن تم قصها على أي شخص آخر فتأثيرها في كل الأحوال سيء، و أنا في كل الأحوال ضحية الحكي الوحيدة.
حين تمت خطبتي منذ عدة أعوام، نويت أن أتخذ كل الإجراءات اللازمة لأن يبنى زواجي على أسس سليمة، فقرأت الكثير من الكتب التي تتحدث عن أسرار الزيجات الناجحة، و شاهدت أفلام عديدة عن كيفية إدارة منزل مستقر من الناحيتين الاقتصادية و الاجتماعية، ثم قررت أن أقوم بنفسي بتحاليل و كشوف ما قبل الزواج (و أهمها كشف النساء) للاطمئنان على استعدادي الصحي لحياتي الجديدة.
لم أكن أعاني من أية أعراض فاعتبرت الأمر روتيني لا يستدعي إلا زيارة سريعة، لكنني لم أعترض حين شدد الطبيب على ضرورة الخضوع لكشف مفصل. ما أزعجني في الحقيقة كان عدم تواجد ممرضة أثناء إجراء الكشف لكني عزيت ذلك لمجرد مصادفة لا أكثر. و بينما كان الكشف مستمر، سادني الشعور بأنني ارتكبت خطئاً فادحاً بحضوري وحدي، إذ أنه مع كل لحظة كان اقتراب الطبيب يزداد و اصطدامه صدمات خفيفة بجسدي أثناء الكشف الذي بدا عفوياً في أول الأمر، بدأت حدته و تكراره يزداد و أنا حائرة بين شعوري بأنني قد أكون فقط أبالغ في حساسيتي تجاه الموقف و شعوري الذي بدأ يسيطر علي بأنني أنتهك. وكان أن انتصر شعوري بالانتهاك فنهضت سريعاً و قررت ألا أكمل الكشف، و ما كان من الطبيب الذي لم يعترض على إنهائي المفاجيء للكشف و إنما ابتسم ابتسامة ساخرة وهو يخبرني أن نتيجة الكشف ملخصها أن زوجي المستقبلي محظوظ للغاية.
كان واحداً من تلك المواقف الذي يكون المرء فيه واثقاً بدرجة 100% أنه يمتهن، و في نفس الوقت فلا توجد نسبة 1% أنك قادر على إثبات هذا الامتهان.
إلى الآن و حتى بعد مرور عدد من السنوات ما زلت أشعر بملمس قفاز الطبيب البلاستيكي فوق جسدي فأشعر بالتقزز و يعود لي إحساسي بالانتهاك. أعلم جيداً أن هذا الشخص هو استثناء للقاعدة، لكن مجرد وجوده في الحياة كشخص يحوز احترام الناس، و استمراره في أداء عمله الذي يعلم الله كم ينتهك من خلاله أجساد أخريات بطريقة لا يمكن توثيقها أو فضحها، ما زال كل ذلك يدفعني لأن ألوم نفسي على ذهابي يومها وحدي و على عدم قدرتي على اتخاذ موقف ما، لا أدري نهائياً ما يمكن أن يكون، و مازالت الذكرى “ترعبني كلما احتاج الأمر أن أذهب للكشف عند أي متخصص آخر في طب النساء.
سمر، 37 عام
“لم تكن المرة الأولى التي أذهب فيها وحدي إلى طبيب، كنت قد بلغت ال22 عاماً و اعتبرت نفسي إنسان مسئول لا يحتاج إلى ولي أمر كوني رياضية أمارس ألعاب كالسباحة و التنس وركوب الخيل و أسافر وحدي إلى مسابقات إقليمية و دولية، لكن يبدو أن كل ذلك لم يكن كافياً لاعتباري كائن كامل في عيون طبيب النساء. فعندما قررت الذهاب إليه مع زميلة من زميلات فرقتي للكشف والوقوف على أسباب عدم انتظام دورتي الشهرية، و هو عرض يحدث للعديد من الفتيات في المراحل العمرية المختلفة، فعندها كشف الطبيب علي كشف شامل و رماني بعدد من نظرات الاتهام التي يبدو أن ما أثارها هو وجود بعض الكدمات التي تعرضت لها مؤخراً بسبب حادث عارض أثناء إحدى مسابقات ركوب الخيل. و حين ذكرت له سببها بشكل تلقائي رأيت على وجهه أمارات الامتعاض. و حين أنهى الكشف أصر على أنه في حاجة لمقابلة أمي لإخباري بالتشخيص في حضورها، و لأنني كنت قلقة لأن أسلوبه أشعرني أنني ربما أكون قد أصبت بمرض خطير، فقد كان أن امتثلت و أحضرت أمي معي في الميعاد الذي حدده لي. و إذا بالسيد الطبيب قد ارتدى ثوب حامي حمى الفضيلة و انخرط في إلقاء خطبة عصماء موجهة لأمي يقول فيها أنها أم مقصرة و أنني فتاة على حافة الهاوية و أن عمق الكدمات التي ظهرت في جسدي و مكانها تعني أنني ربما أكون أمارس الجنس بشكل ما، و أن تبريري الساذج (من وجهة نظره) بأن إصاباتي ناتجة عن ممارسة الرياضة لا يمكن أن يمر مرور الكرام عن شخص في مثل خبرته و أنه أراد أن ينبهها لأنه شعر أن هذا هو واجبه.
لا يمكن لأحد أن يتخيل مدى الإهانة التي شعرت بها في تلك اللحظة و لولا أن والدتي قد ردت عليه بما يستحق و بما يحفظ لي كرامتي مجددة ثقتها المطلقة في و في تربيتي و واضعة الطبيب المتنطع في مكانه الذي يليق به، لكانت تلك اللحظة عاشت في مخيلتي موشاة بألم يماثل ألم الانتهاك الجسدي.
تعلمت من يومها أن هذه التلقائية التي كنت أتعامل بها مع العديد من الأمور و الأشخاص في محيطي لهي بالفعل أمر ساذج و يثير .الشفقة”
تلك الشهادات ما هي إلا غيض من فيض، و بينما لا أود و لا أتمنى و لا أقصد إطلاقاً من هذا التقرير أن أعمم هذه النظرة لفئة أطباء النساء، إلا إن الوقاحة الشديدة التي تحيط بتفاصيل بعض تلك المواقف لابد و أن تتركنا في حيرة من أمرنا لرغبتنا في معرفة من المسئول عن تلك البساطة التي يشعر عن طريقها الكثير من الذكور الذين يحيون حولنا بأنهم مخولون لانتهاكنا أياً كان المكان و الزمان و أياً كانت الظروف…
AddThis is disabled because of cookie consent


أحــــدث الــــــمـقـالات
خمس أسرار وددت لو عرفتها في سن الخامسة عشر
رسالة أرسلها لذاتي المراهقة... لعلها تَتَحرر مما هي فيه.
آية أحمد
سألنا نساء حضرن صفوف دعم الأمهات عن تجاربهن
”اعتادت الفتيات على تلقي النصائح في تجربة الأمومة الأولى من السيدات الكبار ولكن للأسف لا تكون معلوماتهن دائماً صحيحة
هدير الحضري
دليلك للتعامل مع دولابك المكدّس بالملابس